الأربعاء، 25 فبراير 2009

حماس وعباس، مصالحة أم مصافحة ؟

يكثر الحديث هذه الأيام عن حوار القاهرة المرتقب بعد ساعات، التي دعت إليه مصر للم الشمل الفلسطيني، أي بين حماس وفصائل المقاومة من جهة وعباس وزمرته من جهة أخرى، وما يمكن أن يسفر عنه. ولا أقول فتح لعدة أسباب قد أفرد لها موضوعا منفردا فيما بعد. منها التمزق والتشرذم داخل فتح مما ينذر بانقسامات وانشقاقات قد نشهدها فيما بعد. ولأن الكثيرين من شرفاء فتح ليسوا على هوى عباس. بل إن كتائب شهداء الأقصى (الفصيل العسكري) التابعة لفتح قد تبرأ منها عباس. ولأن عباس لا يرتضيه جميع الفتحاويين كرئيس لهم. أي أن عباس نجح في اختطاف الحركة وتوجيهها حسب هواه مع زمرته. وحين أقول عباس فإني أعني معه فياض، وقريع وعبد ربه ودحلان وعريقات وبقية الزمرة "المحترمة ! " التي لا تكل ولا تمل في سبيل المحافظة على "الثوابت" واسترداد جميع الحقوق !
المهم، أن هذا الحوار لا أظن أنه سيستطيع، وإن بلغ أعلى درجات النجاح، أكثر من المصافحة بين حماس وعباس أما عدسات الكاميرات وشاشات التلفاز. حتى وإن نتج عنه حكومة وحدة وطنية، وتشكيل لجان لمتابعة حل جميع الاشكالات بين الطرفين، فلا تستعجل بالحكم بنجاح المصالحة. فقد رأينا اتفاق مكة وحكومة الوحدة وكيف تعامل معها عباس. وكيف أدار ظهره لها وعمل على إفشالها والانقلاب عليها على الرغم من الابتسامات والمصافحات والعناقات الساخنة التي تمت بين الطرفين. ولم تفلح أيضاً المصالحات والتهدءات التي جرت لتثبيت اتفاق مكة بعد الأحداث المدمية في غزة بقيادة التيار الانقلابي الدحلاني حتى اضطرت حماس للسيطرة على تلك الأجهزة الأمنية العميلة. وسبب هذا، أن هنالك اختلاف جوهري وأساسي عميق بين الفريقين، ربما أكثر مما بين عباس والإسرائيليين، هو أساس عدم القدرة على المصالحة الحقيقية بين الطرفين.
فهناك فريق يعترف بشرعية وجود إسرائيل وحقها بالاستحواذ على 78% من أرض فلسطين، وفريق آخر لا يرى أي شرعية أو حق لليهود في أي شبر من الأرض.
فريق يرى المفاوضات وحدها كأساس لاستعادة ال 22% من فلسطين (حدود الـ 67 أي غزة والضفة بما فيها القدس الشرقية) ويكتفي بها ويعارض أي مقاومة ويعتبرها ارهابية وحقيرة، وفريق يرى المقاومة وحدها سبيل تحرير جميع الأرض ويعارض أي مفاوضات للتسوية.
فريق يعيش بالقصور ولا يركب سوى السيارات الفارهة، واستشرى الفساد فيه حتى أصبح ترتيب فلسطين حسب مؤشر الفساد لمنظمة الشفافية الدولية حاملاً للرقم (108 من مجموع الدول 154) عام 2004 أثناء توليه
, وفريق يعيش بين الناس وبمخيمات اللاجئين بلا كهرباء، ولا يجد حليبا لأطفاله.
فريق يهرب التلفونات النقالة ليتاجر بها مع شعبه، وآخر يهرب الأسلحة ليدافع بها عن شعبه.
فريق يعطى بطاقات الـ VIP من قبل إسرائيل لسهولة التنقل عبر الحواجز الاسرائيلية، وتغذيه إسرائيل بالأسلحة وتتعهد بإرسال الـ (إف16) لحمايته إن لزم الأمر (كما صرحت إسرائيل لحماية دحلان) ، وآخر مطارد ويؤسر ويسجن (حتى مع كون بعضهم نوابا ووزراء)، ويتعرض للاغتيال هو وأبناؤه وأهله وتهدم بيوتهم، حتى رئيس الوزراء نفسه يهدد بالاغتيال (تهديد هنية حتى قبل إقالة حكومته).
فريق أثناء توليه للسلطة كان يعطي 60% من إجمالي الرواتب لـ10% من الموظفين، ويخصص أكثر من 35% من الميزانية لأجهزة السلطة التي تسهر على اعتقال وتعذيب المقاومين، بينما يعطي 18% للتعليم، و9.8% للصحة، وفريق يهرب الأموال عبر الأنفاق ويعرض نفسه للمخاطر مقابل توفير الرواتب للموظفين.
فريق لديه تنسيق أمني مع إسرائيل على أعلى المستويات ضد شعبه وضد المقاومة وكل من له صلة بها، بل ويتجسس على الدول العربية والاسلامية لصالح الأعداء (كما عرض محمد نزال في برنامج بلا حدود) ، وفريق يحمي المقاومة والمقاومين ويعطيهم الشرعية ويرفض المساس بها أو سحب سلاحها أو منع تسليحها.
فريق رئيسه يحفظ القرآن ويؤم الناس بالصلاة ويخطب الجمعة ويلقي الدروس والمواعظ، وآخر لا يحسن سوى تبادل القبلات والمصافحات مع ليفني وأولمرت وباراك، والخطابة تحت سقف المفاوضات !
وقد يتذرع البعض بأن سبب كل هذا الخلاف أن حماس مرجعيتها إسلامية بعكس فتح، ولكن الناظر لبقية فصائل المقاومة كالجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية، يعلم أن الحركات المخلصة لتحرير أرضها من الممكن أن تجتمع على مقاومة المغتصب مهما اختلفت مرجعياتها.
بعد كل ما سبق، هل تظن بأنه من الممكن أن تتم مصالحة حقيقية بين حماس وعباس أم أنها ستكون مجرد مصافحة !!!
بوعمر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق