الثلاثاء، 27 يناير 2009

أكان عبثاً من "القسّام" أن تسمي معركتها بـ"معركة الفرقان" !

بعد بدء العدوان الإسرائيلي على غزّة، لفت نظري أمرٌ لا أظن أن الكثيرين انتبهوا إليه !
إن المتتبع للمشهد الفلسطيني، يعلم أن الكيان الصهيوني منذ بدايته، كان يعطي لكل مجزرة اسم، ولكل عدوان لقب. فمرة "بلا عواطف" وأخرى "أمطار الصيف". أما هذه المرة فسمى عدوانه باسم "الرصاص المصهور" !
وفي المقابل، كانت فصائل المقاومة تطلق أسماء على عملياتها. وقد اختارت كتائب القسام هذه المرة اسم "معركة الفرقان" منذ بداية الحرب،، مما لفت انتباهي !
ولعل المدرك لمعنى هذا الاسم ورصيده التاريخي سيستغرب معي أيضاً.
فاسم "الفرقان" هو الاسم الذي سمّى الله به غزوة بدر في القرآن فقال: (يوم الفرقان يوم التقى الجمعان) الأنفال. وغزوة بدر وقعت في السنة الثانية من الهجرة بين النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه وبين مشركي قريش. وهي أعظم معركة في تاريخ الإسلام. ومن شهدها له فضل ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه الصحيحة، منها: ((لن يلج النار أحد شهد بدرا وبيعة الرضوان)) البخاري. وهي المعركة الوحيدة التي شاركت فيها الملائكة بالقتال. ففي الحديث: ((جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم ؟ قال: (من أفضل المسلمين) أو كلمة نحوها، قال: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة)) البخاري. وورد في السيرة النبوية لابن هشام: ((قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم عن مِقسَم، عن ابن عباس قال: ولم تقاتل الملائكة في يوم سوى بدر من الأيام، وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عدداً ومدداً لا يضربون)).
ومعنى الفرقان كما ذكر صاحب "الصحاح في اللغة": (الفرقان القرآن، وكلّ ما فُرِّقَ به بين الحق والباطل فهو فرقان). وأيضاً بمعنى الحجّة، والنصر، والبرهان، كما ورد في لسان العرب والقاموس المحيط.
وغزوة بدر كان لها آثاراً ونتائجاً عظيمة، لذلك سماها الله بـ "يوم الفرقان"، لأنها فرقت بين الحق والباطل، ولأنها فرقت بين ما قبلها وما بعدها.
ما أريد قوله أن غزوة بدر كانت لها ترتيبات ونتائج فريدة، فاختار الله أنسب اسم لها.
والآن يأتي تعجبي !
فمن المؤكد أن "كتائب القسام" تعرف هذا الاسم تمام المعرفة. فهل كانت تعني أن هذه الحرب ستفرق ما قبلها عما بعدها ؟ وأن هذه الحرب سيكون لها آثاراً ونتائجاً فريدة ؟
إن من تابع أحوال ومواقف الأنظمة والدول، وما ترتبت عليه هذه الحرب من إنقسام في المواقف على جميع الأصعدة، يدرك أن الحرب الأخيرة على غزّة كانت فعلاً فرقاناً !
كانت فرقاناً بين الدول والأنظمة العربية والإسلامية المؤيدة والمتواطئة مع العدوان، وبين الأخرى التي حاولت وسعت لنصرة المستضعفين والمظلومين من أهل غزّة.
كانت فرقاناً بين الكتاّب العرب الحاقدين والمؤيدين للعدوان، وبين أصحاب الأقلام الشريفة بكتاباتها ومواقفها المناصرة للمظلومين حتى مع كون بعض هؤلاء الكتاب عرباً غير مسلمين.
كانت فرقاناً للأحزاب والتيارات الفكرية !
كانت فرقاناً للإذاعات والفضائيات !
كانت فرقاناً لمن لا زالت على أعينهم غشاوة تجاه ما يسمى "بعدالة ونزاهة" النظام الدولي بكل مؤسساته وفروعه !
كانت فرقاناً، حيث أظهرت بشاعة وإرهاب الكيان الصهيوني لكثير من الشعوب الغربية !
كانت فرقاناً بين عصرين، عصر اجتياح واحتلال القطاع بكل سهولة وخلال يوم واحد (حرب 67)، وبين عصرٍ عجز فيه الجيش الإسرائيلي بكل عدته وعتاده من التقدم سوى بضعة كيلومترات داخل القطاع خلال 22 يوماً من الحرب !
كما كانت فرقاناً وبرهاناً للصهاينة على عجزهم عن اجتثاث المقاومة، بل وحتى عن تحقيق أية مكاسب عسكرية لجيشهم الذي "لا يقهر" !
وستكون فرقاناً بإذن الله، بين الزمن الذي يملي فيه الصهاينة شروطهم، وبين الزمن الذي تملي فيه المقاومة شروطها !
والهدنة القادمة بين الطرفين والآتية لامحالة، في نظري، ستأتي وفق شروط فصائل المقاومة بإذن الله !
ولازالت هنالك "فرقانات" و"فراقين" كثيرة ستكشفها لنا الأيام القادمة. منها على سبيل المثال عجز المحاكم الدولية على محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين !
وعلى هذا الاختيار وهذا الإسم، تستحق كتائب القسام شهادة "بعد نظر مع مرتبة الفخر" لمعرفتها لطبيعة هذه الحرب من أول يوم.
والآن وبعد كل هذه "الفرقانات" ...
هل يحق "للقسّام" أن تسمي معركتها بـ "معركة الفرقان" !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق