الأربعاء، 17 يونيو 2009

نتنياهو . . . شكراً

ليس عندي أي حرج من أن أشكر أي إنسان إذا أسدى إلي خدمة أو معروفا أو أضاف إلي معلومة، مهما كان هذا الإنسان، ومهما اختلفت أو تعاديت معه، حتى وإن كان "نتنياهو"، رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه !
من استمع أو قرأ نص خطاب نتنياهو الأخير قد يدرك حجم المعروف الذي أسداه إلينا هذا الرجل. ذلك أنه في خطابه أعلن صراحة دون أي تلميح أو مجاملات، عن موقفه وموقف حكومته من القضايا الأساسية والجوهرية عند الكثيرين من الفلسطينيين والعرب، خاصة ممن يتمسكون بالمفاوضات والمبادرات وعمليات التسوية حتى يصلوا إلى "سلام الشجعان ! ".
فلا مفاوضات حول القدس، بل ستبقى عاصمة أبدية لإسرائيل، ولا عودة للاجئين، بل تحل مشكلتهم خارج حدود إسرائيل. ولا توقف لعمليات الاستيطان. أما عن الدولة التي يطالب بها الفلسطينيون، فقد حدد معالمها بأنها ستكون في أماكن وجود الفلسطينيين (دون أن يحدد معالم وحدود هذه الدولة والتي يطالب بها العرب والفلسطينيون أن تكون ضمن حدود 67). بل وزاد، ودون أن ترسم حدود لهذه الدولة، وستكون منزوعة السلاح، وتقوم على ترتيبات أمنية ترتضيها إسرائيل (فلك أن تتخيل ما هذه الترتيبات الأمنية التي ترتضيها إسرائيل !). وأيضا، أن يعترف الفلسطينيون بإسرائيل كدولة يهودية، ما معناه ليس عدم عودة اللاجئين فحسب، بل حتى طرد الفلسطينيون الموجودون في إسرائيل والمعروفون بعرب الـ 48 أو عرب إسرائيل، ويقارب عددهم 1.5 مليون نسمة ويشكلون حوالي 20% من سكان إسرائيل !
أضف إلى كل ما سبق أنه وضع المفاوضات مع الفلسطينيين في المرتبة الثالثة ضمن سلم أولوياته بعد التهديد الإيراني والأزمة الاقتصادية !
كما أنه لم يتطرق للمبادرة العربية لا من قريب ولا من بعيد، ما يعد صفعة أخرى لمن لا يزالون يتمسكون بها. ثم ماذا تبقى من بنود المبادرة العربية أصلا حتى يتطرق لها ؟؟؟ فقد نسف جميع بنودها وشتت أحلام المتعلقون بها !
وعلى الرغم من أن ما أعلنه نتنياهو لم يكن سراً قد أفشاه، ولم يكن موقفا جديدا للتو تسلكه إسرائيل، بل هي سياسة عامة يؤمن بها ويتمسك بها ويسير على نهجها جميع القادة والرؤساء الإسرائيليون، السابقون منهم واللاحقون، ولا يختلف عنهم نتنياهو إلا بكونه أكثر صراحةً، وأكثر صدقا، وأشد وضوحاً، وأقل خداعاً ومجاملةً منهم !
ولئن قال الشاعر قديما عن الرجل:
ولئن يعادي عاقلا خير له . . . من أن يكون له صديق أحمقُ
فيحق لي أن أقول:
ولئن يعادي "واضحاً" خير له . . . من أن يكون له صديق "متلوّنُ" !
وإن كنت متأكداً من أن الكثيرين من الإسرائيليين منزعجين من صراحة نتنياهو هذه وصدقه وليس مما قاله، فأنا على يقين أيضا، من أن هذه الصراحة وهذا الصدق قد أزعج الكثيرين من العرب والفلسطينيين أكثر مما أزعج الإسرائيليين !
فبعد هذا الخطاب، ما هو مصير السلام ومفاوضات السلام وأهلها ومن لا يزالون يتعلقون بها ؟؟؟
وما هو مصير دول "الاعتدال" العربي والتي ليس في جعبتها غير المفاوضات حتى الوصول للسلام الشامل والكامل والعادل ؟؟؟
وما هو مصير المبادرة العربية بعد أن ألغت بالكامل من الطرف الإسرائيلي مرة أخرى، فهل لا يزال عند أهلها بقية من "ماء الوجه" حتى يبقوها مطروحة على الطاولة ؟؟؟
وما هو موقف "أهل المفاوضات" ومن اعتادوا على التكسب والترزّق من ورائها ؟؟؟ حتى أحدثت لهم مناصب ووظائف وأجريت لهم أجورا هائلة، على حساب جوع الفلسطينيين ؟؟؟ فهل سيبقون وتبقى مناصبهم وتتدفق عليهم الأموال بعد أن ألغت أعمالهم ؟؟؟ أم أنهم سيكملون "تمثيل المسرحية" حتى بعد أن علم "من لم يكن يعلم !" بأنهم مجرد "ممثلون" !
وعلى الرغم من أن "أهل المفاوضات" هم أعرف الناس بالتعنت الإسرائيلي و"الثوابت الإسرائيلية" التي لا يستطيع أي رئيس وزراء أن يتخلى عنها، على الرغم من علمهم بكل هذا وأكثر، إلا أنهم لم يعد لهم حجة الآن أمام شعوبهم حتى يظلوا يخدعون الناس بأن ما يقومون به سيوصلهم بالنهاية إلى جميع حقوقهم وحقوق الشعب الفلسطيني دون التخلي عن "الثوابت الوطنية" ! أي أن صراحة هذا الخطاب قد ضيقت عليهم الخناق أكثر.
فهل عرفتم حجم المعروف الذي أسداه إلينا نتنياهو ؟؟؟
هل عرفتم كم من الوقت كان سيوفر وكم من الأموال كان سيدخر لو كان من "أهل المفاوضات" رجل رشيد !
وهل عرفتم كم من رجل مخلص لقضيته لكنه كان يؤمن بالمفاوضات، قد انتشله نتن ياهو من هذا المستنقع الآسن !
وهل عرفتم كيف أصبح أهل المقاومة أقوى حجة من قبل !
بل هل عرفتم حجم المعروف الذي أسداه نتنياهو لصف المقاومة مقابل صف الاستسلامات ؟!
ورغم كل ذلك، إلا أنني مؤمن بأن أهل "المفاوضات" سيظلون متمسكون بمفاوضاتهم، وسيظل أهل المبادرة يطبلون لها، وسيظل أهل التسوية يدافعون عن استسلاماتهم ! ليس لشيء إلا لأنهم لا يحسنون غير هذا، ولما يتكسبون به من وراء أعمالهم هذه !

بعد كل هذا لا يسعني إلا أن أكرر: "نتنياهو" . . . شكراً !
شكراً على صراحتك رغم أنك عدوي !
شكراً على صدقك مع أعدائك قبل أصدقائك !
شكراً على وفائك لشعبك ووطنك ومعتقدك !
نتنياهو. . شكراً، لأنك لم تحترم كل من لم يحترم وطنه !
بوعمر
(ملاحظة: في المقال الأخير لي "عجب أمركم أيها العرب" كنت قد وعدت بكاتبة مقال عن موضوع استمرار المفاوضات، ونظرا لانشغالي، فلم يتح لي الوقت إلا هذه الأيام فأحببت تقديم هذا المقال "شكرا ...نتنياهو" لألا يفوت وقته، مع اعتذاري عن هذا التقصير)

الاثنين، 15 يونيو 2009

نتن ياهو لم يأت بجديد !

استمعت لعدد من أركان السلطة الفلسطينية مباشرة بعد أن انتهى نتن ياهو من إلقاء خطابه، وقلت في نفسي إن نواح هؤلاء على العملية التفاوضية يدل على أنهم لم يكونوا أبدا يفاوضون لأن السنوات الطويلة منذ عام 1991 كانت كافية لمعرفة مواقف إسرائيل وأساليبها التكتيكية وأهدافها الاستراتيجية، ومن الواضح أنهم كانوا ينتظرون يد رحمة أو شفقة تمتد إليهم فتحقق لهم بعض تمنياتهم، فيقدمونها للشعب الفلسطيني على أنها من إنجازاتهم. فما جاء به نتن ياهو ليس خاصا به، وهو تأكيد لفظي لما دأب قادة إسرائيل على اختلاف تشكيلاتهم الحكومية القيام به منذ عشرات السنين، وبالتحديد منذ مؤتمر مدريد حتى الآن.

أكد نتن ياهو على استمرار الاستيطان، وهكذا أكد عمليا رابين وشامير وبيرس وباراك وأولمرت. لم تتوقف حكومة العدو عن الاستيطان أبدا، ولم تتوقف عن مصادرة الأراضي وهدم البيوت وهدم البيوت واقتلاع الشجر والحجر. وقد قال المفاوض الفلسطيني مرارا بأنه سيتوقف عن المفاوضات إذا استمر الاستيطان. استمر الاستيطان واستمرت المفاوضات.

أكد نتن ياهو على كيان فلسطيني منزوع السلاح ويعمل وفق مقتضيات الأمن الإسرائيلي حسب معايير صارمة. هذا أكده بيريس من قبل وباراك وليفني، ومؤخرا أكدته هيلاري كلينتون وزيرة خارجية أمريكا. وعن قيام الفلسطينيين بحراسة أمن إسرائيل، فهذا ما يقوم به دايتون، وهذا ما يوجه مختلف النشاطات الأمنية. حتى الكلاشينكوف الذي يحمله رجال السلطة الفلسطينية، ووفق ما قاله دايتون أمام الكونغرس، ليس قاتلا بالنسبة للإسرائيليين لأن رمايته ضعيفة وقصيرة المدى، ويقوم في العادة ضباط إسرائيليون بفحص هذا السلاح قبل تسليمه للسلطة للتأكد بأنه لا يصيب الإسرائيليين المحصنين بمقتل. الغريب أن فلسطينيين يسألون عن هذه الدولة التي ستكون بلا جيش، وكأنهم يأتون من كوكب آخر ولا يرون الترتيبات التي تتم على الأرض.

المعايير الأمنية بالنسبة لإسرائيل كثيرة ولا تنتهي، وغدا سيحدد الصهاينة الزيجات الفلسطينية للحد من الإنجاب، وسيجبرون فلسطينيات حوامل على الطرح وفق الترتيبات الأمنية، وسيتدخلون في الجامعات وسيلغون مساق الدراسات الفلسطينية، وسيعتبرون الترحم على الشهداء تحريضا، وسيتدخلون في مواويل الزجالين في الأفراح، وسيراقبون دعاء عجوز تريد لابنها الحماية من أولاد الحرام، الخ.

أما بالنسبة لحق العودة، فهناك إجماع لدى الصهاينة ومن كافة الأحزاب على رفض حق العودة، والتصريحات للقيادات الحزبية والحكومية بهذا الشأن كثيرة جدا. هذا فضلا عن أن هناك فلسطينيين يسقطون حق العودة، ويعتبرون المطالبة به والإصرار عليه إضرارا بالعملية التفاوضية. وتقديري بأن الذي وقع الاتفاقيات مع إسرائيل يدرك أنه لم يكن من الممكن أن تقبل إسرائيل التوقيع لو بقي لديها ظن بأن الموقعين من الجانب الفلسطيني يريدون حق العودة. لقد شرحت هذه المسألة في عدد من المقالات قلت فيها إن حق العودة قد تم إلغاؤه ضمنا، والإلغاء عبارة عن تحصيل حاصل لقرار الاعتراف بإسرائيل، وأن هذا الإلغاء قد تم عمليا وليس قانونيا من قبل المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988.

أما السلام الاقتصادي فيشكل جوهر اتفاق أوسلو وطابا وغيرهما من الاتفاقيات. جوهر اتفاق أوسلو وطابا هو الحرص على الأمن الإسرائيلي مقابل لقمة الخبز للفلسطينيين. هناك قضايا ثانوية في الاتفاقين، لكن المضمون الحيوي يبقى يدور حول الأمن الإسرائيلي، وقد عمل أهل الغرب مع إسرائيل على ربط لقمة الشعب الفلسطيني بإرادتهم، وعملوا دائما على إشهار الحرمان مع كل تقصير قدّروه، ومنعوا التنمية الاقتصادية الحقيقية من القيام في الضفة وغزة حتى لا يشعر الفلسطينيون بأنهم قادرون على تحقيق الاكتفاء الذاتي، ولو جزئيا.

فيما يتعلق بالقدس، لم تتوان أي من حكومات إسرائيل المتعاقبة عن تهويد القدس. كل الأحزاب والجمعيات اليهودية والصهيونية والحكومات أصرت على تهويد القدس، ولم يتوقف التهويد على الرغم من كل القرارات الدولية والمناشدات والاستجداءات والتهديدات. لم نسمع قائدا إسرائيليا واحدا يقول بأن القدس شرق هي عاصمة الدولة الفلسطينية، وإنما سمعنا وما زلنا نسمع من كل قادة العدو بأن القدس الموحدة هي عاصمة إسرائيل الأبدية.

نتن ياهو لم يأت بجديد، ولم يقل شيئا لا يقوم به عمليا وفعليا كل قادة إسرائيل وكل حكوماتها المتعاقبة. هو كغيره من كل القادة، ولا يختلف عنهم إلا بصراحته ووضوحه الكلامي. فقط نتن ياهو يقول لكل قادة العرب والفلسطينيين بأن عليهم ألا يستمروا في خداع أنفسهم. ولعله يقول لهم بأن كل هروالاتهم إلى البيت البيض وسفرياتهم وتنقلاتهم ومؤتمراتهم لن تغن عنهم شيئا.

عبد الستار قاسم
المصدر